أنا لا اتفق مع البعض في أن السوسنة السوداء هي شعار الأردن , نحن أصلا لا نشبه السوسنة نحن نشبه شجر (الدوم) , لقد اقتلعت إسرائيل كل شيء في الأغوار وغيرت في مسارات الطرق , وانتجت مزارع للتمر ..إلا أن شجر الدوم هناك ظل ينبت (عجرفة) على الجلاد ..لم تخلعه , ولم تجرؤ على إزالته , فهو أقدم من إسرائيل ..وهو الابن الشرعي للتراب في الغور ..
سيسأل ربما رئيس عربي عن نوع هذه الشجرة المليئة بالشوك , والجميلة والتي تنمو بالرغم من الملح , والرمل وقلة الماء ...سيجيبه ضابط من الحرس المرافق له :- بأنها شجرة (الدوم) ...وهي تنتج نباتا صغيرا , يشبه حبة الزيتون ..وينتظره المزارع حين يجف ثم يقوم بقطفه , وطحنه ومزجه بالسكر ..وهذا النبات يقال أنه يشفي العلل ..ومفيد للمعدة .
سيجيبه الحارس المرافق قائلا :- هذه الشجرة لا تتأثر باشعة الشمس اللاهبة في الصيف , لم يزرعها أحد نبتت هكذا ..وقد استظل بها العشاق , وأنت لا تقوى على الإقتراب من ثمرها , لأن الشوك ...سيجرف قليلا من جلدك , عليك ترك الثمر حتى يجف ويسقط وحده ...سيجيبه الحارس المرافق أيضا :- هذه الشجرة لا تروى وتنبت في الأرض الشحيحة الماء , وتحتمل الملح ....ولا نعرف عمرها في التاريخ , ولا نذكر من زرعها ..لكنها صارت من هوية المكان ...وسيقول له :- أنك حتى تحصل على الثمر عليك بخض سيقانها قليلا ..هي الشجرة الوحيدة في العالم التي تمنعك من لمس الغصن , أو وضع يدك عليها ...هل شاهدتم نباتا يملك عفة وشرفا , نعم شجرة (الدوم) تشبه الصبية العفيفة الجميلة ..كل ما تجرؤ على فعله أمام محياها العذب هو النظر فقط ..
(الدوم) هو الأردن ..هو يشبهنا , ونحن نعشق من يشبهنا , هو قصة البسالة والصبر التي نسجها الأردني , هو قصة شح الماء وشح الموارد , وهو قصة الكبرياء ..فنحن وشجرة الدوم نتطابق في أن كل يد تجرؤ على الإقتراب منا ...تنزف .
تحياتي لشجر (الدوم) المنثور غرب البحر وشرق البحر , وودت في هذا المقال لو أن الشجر يحكي قصتنا للعالم العربي , ويخبرهم كيف مزجنا حبات الدوم مع السكر ..وأطعمناها لكل مريض وكان الشفاء حليفه ...
يا ليت لو أن الجيل الحالي يعرف هذا الشجر , على الأقل سيفهم قصة الأردن والاردني فنحن الصبر ونحن التعب , ونحن الإصرار ..ونحن الشوك والشفاء ونحن قصة البقاء ..نحن (الدوم) ...
